24- وكالات
أنفاق عملاقة تتلوى بين جبال مكة المكرمة ذهابا وإيابا، تمثل للحجاج عالماً جديداً، لاسيما القادمين من الأرياف الذين لم يشاهدوا في حياتهم رموز المدينة العصرية، إذ تختلف هذه الأنفاق المبهرة كلياً عن قراهم وبلداتهم الوادعة والبسيطة، فيعيشون مقارنات لا تنتهي بين الأنساق العمرانية المختلفة، والتي تمثل لهم صدمة كبرى عند مشاهدتها للوهلة الأولى.
بدأت فكرة تشييد أنفاق مكة في عهد الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز، حيث افتتح في نهاية السبعينات أول نفق للسيارات لربط المشاعر المقدسة بمكة المكرمة، وهو النفق الذي اختصر المسافة بين الجانبين إلى النصف تقريباً. ومن ذلك الوقت تشهد مكة ثورة بناء وتشييد في الأنفاق، والتي بلغت وفق آخر إحصائية صادرة من أمانة العاصمة المقدسة 62 نفقا، منها 54 للسيارات وثمانية للمشاة. وتشكل شبكة الأنفاق هذه ربطا بين شعاب مكة، حتى بات يقال اليوم إن “أهل مكة أدرى بأنفاقها”، بعدما كان يقال إنهم “أدرى بشعابها”.
وأوضح الدكتور نبيل عباس، زميل معهد المحكمين البريطانيين وعضو الهيئة السعودية للمهندسين لـ”العربية.نت”، أن “الأنفاق شكلت معلماً هاماً للبنية التحتية في مكة المكرمة، حيث ساهمت في التغلب على وعورة الطبيعة الطبوغرافية، وسهلت وصول الحجاج إلى المسجد الحرام دون عناء”، مشيراً إلى أن “مكة كانت قبل 46 سنة مطوقة بجبال متصلة لا يوجد فيها سوى منفذ واحد وهو “وادي جبل النور”، وبالتالي كان لزاما شق هذه الأنفاق حتى يتمكن الحجاج من التنقل بسلاسة”.
وأضاف عباس: “حتى بداية الثمانيات كانت هناك أربعة أنفاق في مكة وكانت كافية، لكن مع الزيادة المطردة لأعداد الحجاج والمعتمرين وتعقّد الشبكة المرورية، تم استحداث أنفاق أخرى، ما أسهم بفاعلية في نجاح مواسم الحج، وساهم في تيسير الحركة المرورية من وإلى المشاعر المقدسة ومكة المكرمة وبالعكس”.
وتابع: “يعتبر العامل الزمني مهما في دخول الحجاج للمسجد الحرام والمشاعر وخروجهم منها بالسرعة المطلوبة، حتى لا تحدث تكدسات في مدينة تستقبل سنويا أكثر من 15 مليون إنسان ما بين معتمرين وحجاج”.
وأكد عباس أن مكة المكرمة استطاعت تحقيق رقم صعب في عدد الأنفاق عالميا، والتي لم تسجل منذ تشييدها أي حالات تلوث بيئية، نظرا لما تحويه هذه الأنفاق من خدمات وتجهيزات تتضمن مراوح ضخمة ونفاثة للتهوية ومخارج طوارئ ومضخات مياه لإطفاء الحريق وحساسات للغازات، لافتاً إلى أن نجاح تجربة الأنفاق في مكة المكرمة ساهم في نقل التجربة إلى مدن سعودية أخرى تنبهت لأهمية الأنفاق، وبدأت فعليا في حل التقاطعات بالأنفاق عوضا عن الجسور.